16 - 08 - 2024

وجهة نظري | بلياردو "بعد الستين"

وجهة نظري | بلياردو

بعد الستين انطلقت بكل حماس لتعلم لعبة "البلياردو" ليس حبا فيها، ولكن من أجل عيون حفيدى الذى يعشقها، فأردت أن أشاركه متعة اللعب، كما اعتدت دوما مشاركته في كل مايحب.

تأخرت كثيرا هذه المرة في تلبية رغبته في ممارسة اللعبة .. لم يكن سنه الصغير يسمح بذلك، كانت قامته لاتزال أقل من حافة طاولة البلياردو.

ما إن اقترب من التاسعة حتى إزداد تعلقه بها، وألح بإصرار حاسم أن يلعبها، لم أكن متحمسة لتنفيذ رغبته لكنى استجبت تحت ضغط نظراته الفرحة المتشبثة باللعبة.

تباطأت خطواتى بينما أسرع هو بكل حماس يسأل عن اشتراك تأجير الطاولة .. لم يكن هناك من يشاركه اللعبة، كان كل اللاعبين أكبر سنا منه، فلم يكن أمامى سوى التقدم بثبات لأشاركه فيها حتى لاتفسد فرحته.

بدأنا اللعب ونحن نجهل أبسط قواعدها، وإن لم ينل ذلك من فرحته وحماسه ولم ينل أيضا من إصرارى على إتمام تلك الفرحة وحماسى أن أحقق له مايريد.

لم نستسلم للحيرة طويلا، كسرنا حاجز الخجل وبدأنا في الإستفسار عن قواعد اللعبة .. الغريب أن أحدا لم يشعر بالتذمر من تلك الحالة، قابل اللاعبون أسئلتنا بهدوء وترحاب، شجعنا كرمهم على المزيد ولم تحل استفساراتنا التي كنا نطلقها بين الحين والآخر دون توقف إجاباتهم المستفيضة .. لم نشعر أننا نفسد عليهم متعتهم، بل على العكس قدروا حماسنا في تعلم اللعبة ودأبنا على معرفة قواعدها، وتطوع أحدهم في فترة استراحة لتعليم حفيدى وتدريبه على الإمساك بالعصى وتسديدها وتعليمه قواعد اللعبة.

تحتاج اللعبة لقدر عال من الهدوء والتركيز وصفاء الذهن ودقة الملاحظة ومهارة اختيار الكرة الأقرب للهدف، والحذر من ارتكاب خطأ يوجب إنهاء المباراة لصالح اللاعب المنافس، حتى وإن كان أقل مهارة وإحرازا للأهداف.

ربما فسرت لى تلك الحالة نوبة الكرم التي استقبلنا بها اللاعبون بإبتسامتهم المشجعة وسعة صدورهم للإجابة على استفساراتنا، وإن كنت لا أنكر بالطبع أن وجهى الستينى بينما أحمل العصا وإصرارى على تعلم حفيدى لها وفرحتى به، كان دافعا إضافيا لتلك الحالة من الأريحية وسعة الصدر.

قفزة حفيدى فرحا كلما نجح في ضرب الكرة وتحريكها على الطاولة وإلقائها بمهارة في أحد جيوب الطاولة كان يتردد وقعها بنفس القوة في قلبي منتشية بتلك المهارة التي أبداها حفيدى في أولى خطواته في ممارسة اللعبة، بشهادة أصدقائنا المحترفين الذين استعننا بهم طوال فترة اللعب.

لم نتوقف طوال الطريق عن ترديد تفاصيل الدقائق التي قضيناها في اللعب، ازداد حماسنا وشغفنا باللعبة فإستعننا هذه المرة بمحرك البحث لنعرف أكثر.

عرفنا أن البلياردو مصطلح مشتق من كلمة bilart وتعنى العصى الخشنةوكلمة bille وتعنى كرة. ويقال أنها لعبة مطورة من لعبة الكروكى التي كانت تلعب في شمال أوروبا  خلال القرن الخامس عشر.

يطلق عليها أيضا رياضة العصا، وأن تاريخ اللعبة معقد جدا وهى من الألعاب القديمة، وربما تعود للقرن الخامس عشر، ويدعى كل من الإنجليز والفرنسيين اختراعها، بل وتتحدث بعض الأساطير أن الصين هي أول من عرف تلك اللعبة، وإن كان من الأرجح أن الإنجليز هم أول من عرفوها.

ويطلق عليها البعض لعبة النبلاء، وهناك ثلاث أنواع للعبة - كما أشارت التقارير والموضوعات - التي تناولتها هي البلياردو الإنجليزي والثانى الفرنسي والثالث الأمريكي، ولكل منها قواعده التي تختلف من حيث عدد الكرات المستخدمة وأوزانها في اللعب وألوانها وأطوال الطاولات وأطوال العصي المستخدمة.

مع القراءة ازداد شغفنا للعبة وازداد ارتباطنا بأدواتها، الطاولة الخضراء المستطيلة ذات الجيوب الست، الكرات الملونة والأخرى ذات الخطين المميزين للتمييز بين المتنافسين، الكرة البيضاء التي تكون وسيلة لضرب الكرة المستهدف إلقاؤها في أحد جيوب الطاولة، المثلث الذى تجمع فيه الكرات قبل بداية اللعب، العصي ، الطباشير الذى يستخدم لمنع انزلاق العصا أثناء التسديد حتى لاتذهب العصا في اتجاه والكرة في اتجاه آخر.

ومثل أي لعبة، هناك من أجادها لدرجة الاحتراف والتمكن وإحراز أرقام قياسية فيها، ومن أشهر لاعبى البلياردو العالميين الأمريكى بادى هيل الذى احترف اللعبة لثلاثة عقود وحصل على لقب أفضل لاعب ثلاث مرات في استفتاء أجرته إحدى المجلات الرياضية العالمية، وهناك أيضا اللاعب الأمريكي جوني أرتشر الذى لقب بالعقرب لبراعته وسرعته في التغلب على منافسيه، وحصل على 50000 دولار أمريكى عام 2003 بعد فوزه في بطولة العالم للبلياردو آنذاك.

وكالعادة لم تترك النساء الساحة حكرا على الرجال، فاقتحمن اللعبة وحققن إنجازات كبيرة، فاشتهرت اللاعبة البريطانية أليسون فيشر بتفوقها في البلياردو وصنفت من بين أفضل لاعبات العالم، وأما الأمريكية ذات الأصل الكوري جانيت لي فحصلت على أكثر من 72 لقبا عالميا ومحليا.

أما في بلادنا العربية والتي يبدو أنها لم تحقق إنجازا عالميا كبيرا في تلك اللعبة، وإن نجح أخيرا اللاعب السورى محمد الصوفى في التأهل لنهائى العالم المقامة حاليا في بولندا في إنجاز غير مسبوق لأى لاعب عربى بعدما فاز على الصينى بنتيجة 11-6 في الدور نصف النهائي للبطولة.

حفر الصواف اسمه في اللعبة، ومن يدرى ربما يحقق حفيدى مازن إنجازات أكبر في مجالات أخرى ليدوى اسمه عاليا، كما أحلم له دوما أن يكون.
---------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الموت قهرا